التفكير النقدي و المدرس ، أية ممارسة ؟
دراسة للأستاذ : عبد العزيز قريش ـ فاس
----عن موقع المدرس----
مــقــدمــة :
المنظومة التربوية نسق علمي اجتماعي مفتوح ، مؤسس على نظريات
فلسفية علمية تربوية نفسية اجتماعية ، لابد أن تعتوره اختلالات بنيوية
، و إكراهات وضغوطات موضوعية تقلص وتحد من تحقيق أهدافه ، ومن بين
مكوناته : المنهاج الدراسي الذي يعد العمود الفقري تقنيا في أداء
وظيفته العلمية الاجتماعية .
و غالبا ما يوضع منهاجنا الدراسي خارج نظرية معينة ، وفي غياب
المعنيين المباشرين : المتعلم ـ المدرس ـ المشرف التربوي ـ المدير ـ
الآباء ... مما يوجب معه تكوين الرؤية النقدية لهؤلاء المعنيين ، خاصة
منهم المدرس الذي يتعاطى مع هذا المنهاج ، ويؤجرؤه في الحجرة الدراسية
، فهو معني بمعالجة اختلالاته وتقديم طروحات وسيناريوهات علاجية
للمواطن السلبية فيه ضمن إطار نظرية فلسفية علمية تربوية نفسية
اجتماعية معينة . تسير وفق معطيات الطفل المغربي ومطالب المرحلة
الراهنة و المستقبلية ، وطموحات المؤسسة الرسمية ، المعلنة سياسيا على
الأقل و إمكانياتها المتنوعة إزاء الطموحات المجتمعية المفصح عنها و
المضمرة .
و الاطلاع على مكونات مناهج التكوين الأساس
للمدرسين بمراكز التكوين ، يفصح بأنها خالية من مواد و نظريات للنقد ،
و ملامحها العامة و التفصيلية تؤدي في أحسن الأحوال إلى تكوين كفايات
تلقين الدروس كما أنزلها المشرع المبرمج التربوي التعليمي دون تدخل أو
مقاربة نقدية . و هذا خلل / إبستيمي / ديداكتيكي يجب استدراكه غير أن
هذا الطرح يبقى كلاما عاما و إرهاصات أولية ممتحاة من الواقع التربوي
التعليمي المعيش ، فإلى أي حد يصدق عمليا ؟ هذا ما سنصيغه تساؤلا
مفتوحا على البحث .
1 ـ التساؤل
نقد المنهاج الدراسي مهمة من
مهام المدرس ، إذ به يستطيع في الحدود الضيقة و المساحات المنحصرة
الوعرة تحديد مطابقة المادة العلمية المدرسة للأهداف الإجرائية ، في
مستوى التدريس الصفي من جهة أولى ، و من جهة ثانية به يمكن تقويم مدى
تحقيق الأهداف العامة لمنهاج عبر المسلك المنهجي المطروح فيه و الأدوات
و المعينات المرصودة ، و كثيرا ما تعترى المنهاج الدراسي اختلالات في
البنية و الموضوع
، حيث إن لم
يمتلك المدرس التفكير النقدي ، و الرؤية النقدية الشمولية لوظيفته
التربوية التعليمية ، لا يمكنه تحديد مواطن الخلل الموجودة في المنهاج
الدراسي سواء في مادته أو منهجيته أو معاينته البيداغوجية أو أهدافه أو
استراتيجياته . لذا لا بد من إغناء برنامج التكوين الأساسي بمراكز
تكوين المعلمين و المعلمات و الأساتذة بأساليب النقد ، و نظرياته ، و
تكوين الحس و التفكير النقديين السليمين لدى المدرس ، و إن لم يتأت ذلك
فعلى الأقل استحضاره في التكوين المستمر و التكوين عن بعد للمدرس .
فغالبا ما يكون المنهاج الدراسي معوقا في الأداء الصفي ، و يكون ناتج
التعليم هزيلا ضعيفا ، و لا تتحقق معه الأهداف بمختلف مستوياتها ، و
بفشل المنهاج الدراسي في تحقيق السياسة التربوية التعليمية ، و غاياتها
و مراميها . و نرجع ذلك إلى المدرس بالدرجة الأولى أو إلى أسباب خارجية
دون أن ندري المصدر الحقيقي للفشل ، و يكون كلامنا و حديثنا في هذه
الحالة عاما و غير علمي ، و غير دقيق بل غير مسؤول . مما يصعب مهمة
التشخيص و إيجاد الحلول و المناسبة الناجعة .فتشخيص اختلالات المنهاج
الدراسي المتنوعة ضرورة إبستيمية و ديداكتيكية في الأداء الصفي للمدرس
التربوي التعليمي ، و لا تتم إلا من خلال رؤية نقدية علمية موضوعي له .
لذا نتساءل : هل مدرسنا و مربينا يمتلك الفكر النقدي و أدواته
الإجرائية اتجاه المنهاج الدراسي ؟ و كيف يوظفه ؟ و أين يتجلى هذا
التوظيف ؟ ...
2 ـ مسوغات التساؤل :
و هي نابع من معطيات
واقعية و موضوعية و ذاتية .
2 .
1 ـ المعطيات الواقعية :
و تنبع أساس من اختلالات البرنامج الدراسي ، و تعاطي المدرس مع هذا
البرنامج نظريا و عمليا ، حيث أكدت الزيارات الميدانية للفصول الدراسية
: أن البرنامج الدراسي لمختلف المستويات يشهد اختلالات بنيوية و
موضوعية ، تنعكس سلبا على ناتج التعلم عند المتعلم .كما أن تعاطي
المدرس معه يشهد اختلالات نظرية و منهجية ، مما يعقد و يصعب الأداء
الصفي ، و يراكم السلبيات في اتجاه التطبيع ، بمعنى أن تصبح تلك
السلبيات طبيعة دون تناولها بالنقد و التصحيح .
2
. 2 ـ المعطيات الموضوعية :
وتتمثل بالأساس
في طبيعة بناء المنهاج الدراسي ــ لمختلف المستويات ــ الهشة ، المؤسسة
في الفراغ الفلسفي ، إزاء الفراغ النظري ، و عشوائية مكوناته موضوعا ،
و هدرها التعليمي . و في تقادم التكوين الأساس للمدرس ، أداة تنفيذ هذا
المنهاج . تتقادم مكوناته و صيغه التي لا تسمح بتكوين التفكير النقدي
لديه ، وتخبطه في تناول الديداكتيك العامة و الخاصة بمكونات المنهاج
الدراسي .
2 . 3 ـ المعطيات الذاتية :
و تتمظهر بالتأسف لهذا الواقع
المزري المحفز على دراسة هذه الظاهرة دراسة علمية ، بحكم المهام
الوظيفية كباحث تربوي يعيش الواقع بكل تجلياته ، و يستهويه بحث قضايا
التربية و الاجتماع بحكم التخصص فيهما ، المتولد من طبيعة الإشكالات و
المعانة الواردة من ثنايا قضايا التربية و التعليم . و الداعي إلى
معالجة هذا الواقع من أسقامه أو على الأقل التخفيف منها .
3
ـ تموضع التساؤل : يدخل
هذا التساؤل في نظرية الإبيستيمولوجيا ( نظرية المعرفة ) ، التي تسمح
بالربط بين النظرية و الممارسة العلمية ( التجريبية ) المتزامنتين
بالضرورة العلمية ـ افتراض ـ في سيرورة البحث عن الحقيقة ، و اكتشاف
العوائق الذاتية و الموضعية و الديداكتيكية و الاجتماعية المعيقة لتقدم
المعرفة و تطبيقاتها و مصادرها ، و إشكالاتها ، و أغلاطها ، و منزلقات
فصم ما بين الممارسة النظرية و الممارسة العلمية ( التجريبية ) و
اختلالاتها .
فالإبستيمولوجيا تتناول
" من جملة
ما تتناوله بالتحليل و النقد نتائج العلوم الطبيعية منها و الإنسانية
إنها من هذه الناحية نوع من فلسفة العلوم " بما تعني الدراسة النقدية
للعلوم . و تكمن أهمية النظرية النقدية للمجتمع و تحليل الاتجاهات
التربوية الغربية التي تأثرت بها في أنها تضع بين أيدي مفكري التربية ،
و المهتمين بالبحث التربوي ، طرق بديلة للتفكير في مفهوم ( العلم ) و (
الطبيعة النظرية ) و خصائص ( المنهج العلمي ) ، و الأهم في ذلك أنها
تساعد في إيضاح العلاقة بين البحث العلمي و آلياته ، وبين الحياة
الاجتماعية و تطورها . تزودنا الدراسة النظرية النقدية ببدائل نظرية و
منهجية للانموذج الأساسي العالمي السائد الذي يبدو أنه يساعدنا ـ بقدر
كاف ـ على حل مشاكلنا التربوية ، و توجهنا كذلك إلى تلمس إرهاصات نظرية
( عربية ) للتربية . حيث يدخل تساؤلي هذا في إطارها بهذا الشكل ، كونها
تبحث في التفكير لدى المدرس و مدى ارتباطه بأدائه البيداغوجي ، كما
تدخل من وجهة آخر وصفة في الميتودولوجيا ( المنهجية ) لكونها تقارب
موضوعها بالمسلك النقدي للمنهاج الدراسي . و من ثم فهم تساؤل مزدوج ما
بين الإبستيمولوجيا و الميتودولوجيا . و يتموضع بالتقاطع بين
الميتودولوجيا و الابستيمولوجيا . و فق التخطيط التالي :